أعظم أمنية يتطلَّع إليها المؤمنون باللّه في كل دين من الأديان، هي الحصول على الغفران. ويرنم داود النبي: طوبى للذي غُفر إثمه وسُترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية (مزمور 32: 1 و2) . فأقرأ معنا مقاييس الغفران في المسيحية
مقاييس ووصايا الرب يسوع أعلى جداً وأسمى جداً من مقاييس البشر. فمن طبيعتنا
نحن البشر أن نحب من يحبوننا، ونحسن معاملة الذين يحسنون معاملتنا، وندين عيوب
الآخرين دون فحص عيوبنا، ولا نرحم من يسيء إلينا. ولكن الرب يسوع يضع أمامنا
مقاييس الله السامية ويريد من "أبناء العلي" أن يرفعوا أعينهم إلى أبيهم السماوي
ويتمثلوا به. فيقول في آية 35 ، 36 : "ولكن، أحبوا أعداءكم، وأحسنوا المعاملة،
وأقرضوا دون أن تأملوا استيفاء القرض، فتكون مكافأتكم عظيمة، وتكونوا أبناء
العلي، لأنه يُنعم على ناكري الجميل والأشرار. فكونوا أنتم رحماء، كما أن أباكم رحيم".
ماذا يا عزيزي فعل الرب يسوع من أجلي وأجلك نحن الخطاة؟ لقد أنكر ذاته وضحى بنفسه من أجل فدائنا وخلاصنا نحن البشر من عقاب الخطية في الجحيم. أخذ عقاب خطايا كل البشر على عاتقه هو، هذا البار القدوس الذي لم يقترف أية خطية قط. وتذكر يا أخي صلاة الرب يسوع وهو على الصليب من أجل من عذبوه وصلبوه في إنجيل لوقا 34:23 "يا أبي إغفر لهم، لأنهم لا يدرون ما يفعلون!". ونقرأ في الرسالة إلى مؤمني فيلبي 6:2ـ11 في الكتاب المقدس عن الرب يسوع: "إذ إنه، وهو الكائن في صورة الله، لم يعتبر مساواته لله خلسة، أو غنيمة يتمسك بها، بل أخلى نفسه، متخذا صورة عبد، صائراً شبيهاً بالبشر، وإذ ظهر بهيئة إنسان، أمعن في الإتضاع، وكان طائعاً حتى الموت، موت الصليب. لذلك أيضاً رفعه الله عالياً، وأعطاه الإسم الذي يفوق كل إسم، لكي تنحني سجوداً لإسم يسوع كل ركبة، سواء في السماء أو على الأرض أو تحت الأرض، ولكي يعترف كل لسان بأن يسوع المسيح هو الرب لمجد الله الآب".
وأنا أعلم يا عزيزي علم اليقين إن هذا المثل وهذا المستوى الذي وضعه الرب يسوع المسيح أمام أعيننا ليس في طبيعتنا وليس في مقدرتنا نحن البشر. فما العمل إذن؟ ذلك هو عين السبب أن الرب منحنا روحه القدوس ليعطينا المقدرة والقوة على إطاعة وصاياه والسلوك حسب تعاليمه السامية وليس حسب طبيعـتنا الجسدية التي ترتكز على محبة الذات. فنقرأ في الرسالة إلى مؤمني روما 9:8،11 "وأما أنتم، فلستم تحت سلطة الجسد بل تحت سلطة الروح، إذا كان روح الله ساكناً في داخلكم حقاً. ولكن، إن كان أحد ليس له روح المسيح، فهو ليس للمسيح.. وإذا كان روح الذي أقام يسوع من بين الأموات يسكن فيكم، فإن الذي أقام المسيح من بين الأموات سوف يحيي أيضاً أجسادكم الفانية بسبب روحه الذي يسكن فيكم".
مكتوب في إنجيل مرقس "ومتى وقفتم تصلّون فاغفروا إن كان لكم على أحدٍٍٍٍ شئ لكي يغفر لكم أيضاً أبوكم الذي في السموات زلاتكم. وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السموات أيضا زلاّتكم"
مكتوب "لا تدينوا لكي لا تدانو. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي بهِ
تكيلون يكال لكم." ويضيف المسيح قائلا "ولماذا تنظر القَذَى الذي في عين أخيك.
وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني أُخرِج القَذَى
من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائِي أَخرِج أولاً الخشبة من عينك. وحينئذٍ
تبصر جيّداً أن تُخرِج القَذَى من عين أخيك."
فالإنسان الذي لا يغفر زلات الآخرين تكون عينه مركزه على هذه الزلات ومغلقة عن أخطائه هو وزلاته هو ضد الله وضد الآخرين فلا يقر بها ويتركها ليرحم كما هو مكتوب "مَن يكتم خطاياهُ لا ينجح ومَن يقرُّ بها ويتركها يُرحَم." أما الإنسان الخائف الله فهو لا يركز على زلات الآخرين تجاهه حتى لا يغفر لهم، بل يركز على طاعة الله حتى يستمتع باختبار المكتوب "تمّموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرَّة.
لذلك يقول الرسول بطرس "ولكن قبل كل شئٍ لتكن محبَّتكم بعضكم لبعضٍ شديدةً لأن المحبَّة تستر كثرةً من الخطايا." فالإنسان الذي لا يحب لا يغفر للآخرين فلا يظن ذلك الإنسان إنه ينال غفراناً من الله لأن الله محبة،وبهذا علمنا المسيح كيف ينبغي أن نرحم اخوتنا وهكذا يتم فينا المكتوب "فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم"
ليهبنا الله نعمة لنتضع ونحب ولا ندين الآخرين بل نغفر للمذنبين إلينا فنستطيع أن نصلي قائلين "واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربةٍ. لكن نَجِّنا من الشرِّير. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين."
هكذا نتعلم أن عدم الغفران لزلات الآخرين يجعلنا تحت غضب الله لأننا جميعنا
في الموازين إلى فوق
لأنهُ هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنهُ الوحيد لكي لا يهلك كلُّ مَنْ يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبديّة." كما هو مكتوب أيضاً عن المسيح "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته".