الكنيسة تشرح إيمانها بالألفاظ : في
مواجهه المتشككين والمقاومين للإيمان الصحيح الذي تسلمته الكنيسة من الرب
يسوع والرسل ، أصبح لزاماً عليها للأمانة التي تحملها بروح المحبة
والإيمان الراسخ في المسيح بقوة عمل الروح القدس فيها ، أن تُبرهن على
إيمانها الحي بلاهوت المسيح الحي القائم من الأموات ، التي تسلمته كحقيقة
تعيشها عن وعي ، وأن تواجه صعوبة التفسير بالكلمات عن حقائق إيمانية فائقة
لقوم لم يذوقوا حلاوة الخلاص ولا اختبروا قوة الإيمان بالمسيح له المجد
وكل إكرام لائق ، ولا فعل الخلاص بقوة شركة آلامه وقوة قيامته وفعل عمل
الإفخارستيا المحيي ومعطي قوة الخلاص الأبدي والغفران بقوة عمل دم المسيح
المحيي !!! ويا لها من صعوبة .
وهكذا صارت الكنيسة لزاماً عليها
، مرغمة بحكم الواقع ، أن تقوم بدور أساسي وضروري في تقديم تفسير علني
بمنطق روحي سليم وعميق مقنن لإيمانها بالمسيح وتقديم دفاع عام عن الإيمان
الأرثوذكسي في مواجهة المتشككين والمقاومين للتعليم الصحيح ، بعد أن كان
لها دور التسليم السري الرسولي التقليدي الهادئ للداخلين الإيمان كقانون
لا يُناقش وإنما يُعاش فقط في هدوء العبادة الحية والشركة الجماعية في
الصلاة ...
على ماذا اعتمدت الكنيسة في شرحها للإيمان : اعتمدت الكنيسة على
صدق وأصالة الحق الإلهي المبني عليه إيمانها ، فقد اتكلت على الروح القدس
الذي وجه كل ما كتبه الآباء والأنبياء والرسل ، فشرحت الكنيسة ودققت
وفسَّرت ودافعت عن أصالة إيمانها بلاهوت المسيح له المجد ، بقوة دفاع لا
يُجارى ، ولم تتوقف هذه القوه حتى اليوم ..
ولا تزال
كتابات الآباء الأولون منذ كتابات كليمندس الروماني تشهد لهذه القوة في
بكور دفاعاتها ، كذلك إيرينئوس ، وثاوفيلس الإنطاكي ، وأثيناغوراس المدافع
، حتى تلقفت هذه المهمة ، مهمة الشرح والدفاع عن الإيمان ، مدرسة
الإسكندرية من بنتينوس إلى أوريجانوس إلى اكليمندس السكندري ، إلى أن بلغت
القديس أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير عمود الدين ، اللذين وضعوا الأسس
الثابتة فيما يختص بلاهوت المسيح !!
وكان في كل هذا الجهاد الطويل والسعي المتواصل ، كان الأساس ليس التقليد وحده المُسَلَّم من جيل لجيل ، بل بالتحكيم إلى الصوت الحي في الأسفار المقدسة الذي لم يُخطأ قط في الحكم على كل مقالة لقائل أو اجتهاد لشارح أو سلوك لمبتدع ...
فإذا
توافق القول والسلوك مع روح الأسفار المقدسة والتقليد قُبِلَ القول بكل
ارتياح ، أما إذا لم تسنده الأسفار المقدسة وشهادة السلوك ولم يكن يطابق
التسليم الرسولي رُفِضَ بكل قوة كما حدث في أمر كل أصحاب البدع أمثال الغنوسيين والدوسيتيين وسابليوس وأريوس ونسطور ومقدونيوس ، وغيرهم ...
عموماً نجد أن التقليد اللاهوتي قبل نيقية يقدم المبادئ الإنجيلية في
بساطة الإيمان ووقار العبادة وحياة التقوى ، ولم يكن هناك خوف من مواجهة
الحقائق اللاهوتية وخاصة فيما يتعلَّق بالصلة بين الآب والابن ، ولكن بسبب
قيام الهراطقة والشطط العقلي حسب فلسفة الفكر والتفسير الحرّ بحجة التأمل
، ابتدأ الآباء أن يكونوا حذرين جداً في تعبيراتهم وتفسيراتهم للكتاب
المقدس والحقائق الإلهية ...
فكلمة الابن بالنسبة للآب أوحت إلى
الفلاسفة والهراطقة فكرة الأعظم والأصغر ، والأعلى والأدنى ، والسابق
واللاحق ، والأصل والمستحدث ، بل والسيد والخادم ، وهكذا حدث بلبله بواسطة
التفسيرات والتحاليل الغريبة عن لاهوت الله الثالوث ، وأنشئوا بتحليلاتهم
الفلسفية الفكرية ثنائية إلهية وبالتالي تعدد الألوهة بالمعنى الوثني ...
والثغرة التي دخل منها الهراطقة هي التدني في الدرجات داخل الثالوث : Subordinatonism
وقد حدث لبس في التفسير عند بعض القديسين في أنهم قالوا ان الابن هو الثاني في الترتيب بالنسبة للآب فيقول يوستين الشهيد :
[ الابن هو الثاني في الترتيب بالنسبة للآب لأن الابن من الآب ، كذلك
أيضاً في المجد بالقدر الذي فيه الآب هو أصل وعله وجود الابن ]
[size=16]Newman, op. cit. p. 166
وإزاء خطورة الانحراف بهذه المبادئ نشأت توضيحات قوية لبعض الآباء ، لدحض
أي ثنائية لاهوتية بين الآب والابن تأتي خلسة ، كنتيجة للفصل في السلطان ،
مثل هذا الذي قدمه ترتليان في كلام مبدع جداً :
[ نحن نعلم أن
أثنين حقاً قد أُستعلنا في الله في الكتاب المقدس ، ولكننا نقدَّم الشرح
على هذا بأنفسنا لئلا تحدث عثرة ، فهما ليسا أثنين من حيث كونهما إلهاً أو
رباً ، ولكن فيما يخص كونهما " آب " و " أبن " فقط ، وهذا لا يكون قط بسبب
انقسام في الجوهر ، ولكن من حيث علاقتهما المتبادلة معاً ، ومن هذا ندعو
الابن واحداً غير منفصل عن الآب ]
Newman, op. cit. p. 167
عموما
بعد مجمع نيقية تبدأ التصفية وتوضيح المفهوم الصحيح والراسخ عند الآباء
الأرثوذكس ، وعلى الأخص القديس أثناسيوس الرسولي الذي بلور الإيمان كله
بوضوح قائلاً عن تساوي الثالوث المطلق بدون أي تفاوت ولا درجات ولا ثنائية
قائلاً:
[ لأنه حيثما ذُكر الآب ذُكر ضمناً كلمته والروح القدس الذي
هو في الابن ، وإذا ذُكر الابن فإن الآب في الابن والروح القدس ليس خارج
الكلمة ، لأن من الآب نعمة واحدة تتم بالابن في الروح القدس . وهناك طبيعة
واحدة وإله واحد " على الكل وبالكل وفي الكل " ( أف4: 6 ) ]
Athanas. To Serap., 1:14
[ وإن كانت توجد في الثالوث القدوس هذه المساواة وهذا الاتحاد فمن الذي
يستطيع أن يفصل الابن عن الآب أو يفصل الروح القدس عن الابن أو عن الآب
نفسه ]
Athanas. To Serap., 1:20
ولحديثنا بقية
النعمة معكم